فصل: من فوائد ابن عرفة في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}.
قال ابن عرفة: هذا الأمر على الوجوب على تقدير عدم العفو من أولياء القتيل لأن ما يتوصّل إلى الواجب إلاّ به فهو واجب.
قوله تعالى: {قالوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا}.
هذا على سبيل الغفلة والذهول من غير تأمل، وإن قالوه بعد تأمل فهو كفر، لأن نسبة الاستهزاء إلى النبيء كفر.
وقوله تعالى: {الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} من مجاز المقابلة كَ {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ} لا أنه حقيقة، وقرئ {يَتَّخِذُنَا} بياء الغيبة، فإن كان فاعله عائدا على الله تعالى فهو أشد في الكفر والتعنت، وإن كان عائدا على موسى عليه السلام فهو أخف من اقترانه بتاء الخطاب لأنهم حينئذ يكون قالوا ذلك بعضهم لبعض في حالة غيبة موسى عنهم، ولم يباشروه بهذه المقالة.
قوله تعالى: {قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين}.
من باب نفي الشيء بنفي لازمه، لأن الاستهزاء ملزوم للجهل فينتفي الأمران: الاستهزاء والجهل، وجميع ما هو من لوازم الجهل، ولو نفي الاستهزاء وحده لما نفي الجهل ولا ما عد من لوازمه.
قيل لابن عرفة: قد يكون الاستهزاء مع العلم؟
فقال: من غير النبيء أما من النبيء المعصوم فَلاَ، والاستعاذة بالله فيها إقرار بالتوحيد ونسبة كل الأمور إليه عز وجلّ.
قلت: ونظير الآية قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجاهلين}. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ} حُكي عن أبي عمرو أنه قرأ {يَأْمُرْكُمْ} بالسكون، وحذف الضمة من الراء لثقلها.
قال أبو العباس المبرد: لا يجوز هذا لأن الراء حرف الإعراب، وإنما الصحيح عن أبي عمرو أنه كان يختلس الحركة.
{أَنْ تَذْبَحُواْ} في موضع نصب ب {يأمركم}؛ أي بأن تذبحوا.
{بَقَرَةً} نصب ب {تذبحوا}.
وقد تقدّم معنى الذبح، فلا معنى لإعادته.
الثانية: قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} مقدّم في التلاوة، وقوله: {قَتَلْتُمْ نَفْسًا} مقدّم في المعنى على جميع ما ابتدأ به من شأن البقرة.
ويجوز أن يكون قوله: {قتلتم} في النزول مقدّمًا، والأمر بالذبح مؤخرًا.
ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها؛ فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع من أمر القتل، فأُمروا أن يضربوه ببعضها؛ ويكون {وإذ قتلتم} مقدّمًا في المعنى على القول الأوّل حسب ما ذكرنا، لأن الواو لا توجب الترتيب.
ونظيره في التنزيل في قصة نوح بعد ذكر الطُّوفان وانقضائه في قوله: {حتى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنور قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين} إلى قوله: {إِلاَّ قَلِيلٌ} [هود: 40].
فذكر إهلاكَ من هلك منهم ثم عطف عليه بقوله: {وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41].
فذكر الركوب متأخرًا في الخطاب؛ ومعلومٌ أن ركوبهم كان قبل الهلاك.
وكذلك قوله تعالى: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا} [الكهف: 1].
وتقديره: أنزل على عبده الكتاب قَيِّمًا ولم يجعل له عوجا؛ ومثله في القرآن كثير.
الثالثة: لا خلاف بين العلماء أن الذّبح أوْلى في الغنم، والنحر أوْلى في الإبل، والتخيّر في البقر.
وقيل: الذبح أوْلى؛ لأنه الذي ذكره الله، ولقُرب المنحرَ من المذبح.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا حَرّم أكل ما نُحر مما يُذبح، أو ذُبح مما يُنحر.
وكره مالك ذلك.
وقد يكره المرء الشيء ولا يحرّمه.
وسيأتي في سورة المائدة أحكام الذبح والذابح وشرائطهما عند قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} مستوفًى إن شاء الله تعالى.
قال الماوردي: وإنما أمروا والله أعلم بذبح بقرة دون غيرها؛ لأنها من جنس ما عبدوه من العجل ليهوّن عندهم ما كان يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم ما كان في نفوسهم من عبادته.
وهذا المعنى علّة في ذبح البقرة، وليس بعلة في جواب السائل؛ ولكن المعنى فيه أن يحيا القتيل بقتل حيّ، فيكون أظهر لقدرته في اختراع الأشياء من أضدادها.
الرابعة: قوله تعالى: {بَقَرَةً} البقرة اسم للأنثى، والثَّور اسم للذكر؛ مثل ناقة وجمل، وامرأة ورجل.
وقيل: البقرة واحد البقر؛ الأنثى والذكر سواء.
وأصله من قولك: بقَرَ بطنه؛ أي شقه؛ فالبقرة تشقّ الأرض بالحرث وتثيره.
ومنه الباقر لأبي جعفر محمد بن علي زين العابدين؛ لأنه بَقَر العلم وعرف أصله، أي شقّه.
والبَقِيرة: ثوب يُشقّ فتلقيه المرأة في عنقها من غير كُمَّين.
وفي حديث ابن عباس في شأن الهُدهد فبقر الأرض.
قال شَمِر: بَقَر نَظَر موضع الماء، فرأى الماء تحت الأرض.
قال الأزهريّ: البقر اسم للجنس وجمعه باقر.
ابن عرفة: يقال بقير وباقر وبَيْقور.
وقرأ عكرمة وابن يَعمر {إن الباقر}.
والثَّور: واحد الثيران.
والثّور: السيّد من الرجال.
والثّور القطعة من الأقِطِ.
والثّور: الطُّحْلُب.
وثَوْر: جبل.
وثَوْر: قبيلة من العرب.
وفي الحديث: «ووقت العشاء ما لم يغب ثَور الشّفق» يعني انتشاره؛ يقال: ثار يثور ثورًا وثورانًا إذا انتشر في الأفق.
وفي الحديث: «من أراد العلم فَلْيُثَوِّر القرآن» قال شَمِر: تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء به.
قوله تعالى: {قالوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} هذا جواب منهم لموسى عليه السلام لما قال لهم: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} وذلك أنهم وجدوا قتيلًا بين أظهرهم قيل: اسمه عاميل واشتبه أمر قاتله عليهم، ووقع بينهم خلاف؛ فقالوا: نقتتل ورسول الله بين أظهرنا؛ فأتَوْه وسألوه البيان وذلك قبل نزول القَسَامة في التوراة، فسألوا موسى أن يدعو الله فسأل موسى عليه السلام ربه فأمرهم بذبح بقرة؛ فلما سمعوا ذلك من موسى وليس في ظاهره جواب عما سألوه عنه واحتكموا فيه عنده؛ قالوا: أتتخذنا هزؤًا؟ والهزء: اللّعب والسُّخرية؛ وقد تقدّم.
وقرأ الجحدَرِي {أيتخذنا} بالياء؛ أي قال ذلك بعضهم لبعض فأجابهم موسى عليه السلام بقوله: {أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين} لأن الخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء جهل؛ فاستعاذ منه عليه السلام؛ لأنها صفة تنتفي عن الأنبياء.
والجهل نقيض العلم.
فاستعاذ من الجهل، كما جهلوا في قولهم: أتتخذنا هزؤًا؛ لمن يخبرهم عن الله تعالى، وظاهر هذا القول يدلّ على فساد اعتقاد مَن قاله.
ولا يصحّ إيمان مَن قال لنبيٍّ قد ظهرت معجزته، وقال: إن الله يأمرك بكذا: أتتّخذنا هُزُؤًا؟ ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبيّ صلى الله عليه وسلم لوجب تكفيره.
وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء والمعصية؛ على نحو ما قال القائل للنبيّ صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حُنَين: إن هذه لَقِسمةٌ ما أريد بها وجه الله.
وكما قال له الآخر: اعدل يا محمد.
وفي هذا كلّه أدلّ دليل على قبح الجهل، وأنه مفسد للدّين.
قوله تعالى: {هُزُوًا} مفعول ثان، ويجوز تخفيف الهمزة تجعلها بين الواو والهمزة.
وجَعَلَها حَفْص واوًا مفتوحة، لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة فهي تجري على البدل؛ كقوله: {السفهاء ولكن}.
ويجوز حذف الضمة من الزاي كما تحذفها من عَضُد، فتقول: هزْؤًا، كما قرأ أهل الكوفة؛ وكذلك: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفْؤًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4].
وحكى الأخفش عن عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوّله مضموم ففيه لغتان: التخفيف والتثقيل؛ نحو العسر واليسر والهزء.
ومثله ما كان من الجمع على فُعْل ككُتُب وكُتْب، ورُسُل ورُسْل، وعُوُن وعُوْن.
وأما قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} [الزخرف: 15] فليس مثل هزء وكفء؛ لأنه على فُعْل من الأصل.
على ما يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
مسألة: في الآية دليل على منع الاستهزاء بدين الله ودين المسلمين ومن يجب تعظيمه، وأن ذلك جهل وصاحبه مستحقّ للوعيد.
وليس المُزاح من الاستهزاء بسبيل؛ ألاَ ترى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يمزح والأئمة بعده.
قال ابن خُوَيْزِ مَنْداد: وقد بلغنا أن رجلًا تقدّم إلى عبيد اللَّه بن الحسن وهو قاضي الكوفة فمازحه عبيد الله فقال: جُبّتُك هذه من صوف نعجة أو صوف كَبْش؟ فقال له: لا تجهل أيها القاضي! فقال له عبيد الله: وأين وجدت المزاح جهلا! فتلاَ عليه هذه الآية؛ فأعرض عنه عبيد اللَّه؛ لأنه رآه جاهلًا لا يعرف المزح من الاستهزاء، وليس أحدهما من الآخر بسبيل. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}.
تعرضنا إلى هذه الآية الكريمة في بداية سورة البقرة.. لأن السورة سميت بهذا الاسم.. ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى أتى بحرف: {وإذ}.. يعني واذكروا: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}.. ولم يقل لماذا أمرهم بأن يذبحوا البقرة.. ولابد أن نقرأ الآيات إلى آخر القصة لنعرف السبب في قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 72- 73].
والمفروض في كل الأمور أن الأمر تسبقه علته.. ولكن هذه عظمة القرآن الكريم.. لأن السؤال عن العلة أولا معناه أن الأمر صادر من مساو لك.. فإذا قال لك إنسان إفعل كذا.. تسأله لماذا حتى أطيع الأمر وأنفذه.. إذن الأمر من المساوي هو الذي تسأل عن علته.. ولكن الأمر من غير المساوي.. كأمر الأب لإبنه والطبيب لمريضه والقائد لجنوده.. مثل هذا الأمر لا يسأل عن علته قبل تنفيذه.. لأن الذي أصدره أحكم من الذي صدر إليه الأمر.. ولو أن كل مكلف من الله أقبل على الأمر يسأل عن علته أولا.. فيكون قد فعل الأمر بعلته. فكأنه قد فعله من أجل العلة.. ومن هنا يزول الإيمان.. ويستوي أن يكون الإنسان مؤمنا أو غير مؤمن.. ويكون تنفيذ الأمر بلا ثواب من الله.
إن الإيمان يجعل المؤمن يتلقى الأمر من الله طائعا.. عرف علته أو لم يعرف.. ويقوم بتنفيذه لأنه صادر من الله.. ولذلك فإن تنفيذ أي أمر إيماني يتم لأن الأمر صادر من الله.. وكل تكليف يأتي.. علة حدوثه هي الإيمان بالله.. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يبدأ كل تكليف بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}.. أي يا من آمنت بالله ربا وإلها وخالقا.. خذ عن الله وافعل لأنك آمنت بمن أمرك.
في هذه الآيات التي نحن بصددها أراد الله تعالى أن يبين لنا ذلك. فجاء بالأمر بذبح البقرة أولا.. وبالعلة في الآيات التي روت لنا علة القصة.. وأنت حين تعبد الله فكل ما تفعله هو طاعة لله سبحانه وتعالى.. سواء عرفت العلة أو لم تعرفها؛ فأنت تؤدي الصلاة لأن الله تبارك وتعالى أمرك بأن تصلي.. فلو أديت الصلاة على أنها رياضة أو أنها وسيلة للاستيقاظ المبكر.. أو أنها حركات لازمة لليونة المفاصل فإن صلاتك تكون بلا ثواب ولا أجر.. إن أردت الرياضة فاذهب إلى أحد النوادي وليدربك أحد المدربين لتكون الرياضة على أصولها.
وأن أردت اللياقة البدنية فهناك ألف طريقة لذلك.. وإن أردت عبادة الله كما أمرك الله فلتكن صلاتك التي فرضها الله عليك لأن الله فرضها.. وكذلك كل العبادات الأخرى.
الصوم ليس شعورا بإحساس الجائع.. ولا هو طريقة لعمل الرجيم ولكنه عباده.. إن لم تصم تنفيذا لأمر الله بالصوم فلا ثواب لك.. وإن جعلت للصيام أي سبب إلا العبادة فإنه صيام لا يقبله الله.. والله أغنى الشركاء عن الشرك.. فمن أشرك معه أحدا ترك الله عمله لمن أشركه.. وكذلك كل العبادات.
هذا هو المفهوم الإيماني الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا إليه في قصة بقرة بني إسرائيل.. ولذلك لم يأت بالعلة أو السبب أولا.. بل أتى بالقصة ثم أخبرنا سبحانه في آخرها عن السبب.. وسواء أخبرنا الله عن السبب أو لم يخبرنا فهذا لا يغير في إيماننا بحقيقة ما حدث.. وإن القصة لها حكمة وإن خفيت علينا فهي موجودة.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} أعطى الله تبارك وتعالى الأمر أولا ليختبر قوة إيمان بني إسرائيل.. ومدى قيامهم بتنفيذ التكليف دون تلكؤ أو تمهل.. ولكنهم بدلا من أن يفعلوا ذلك أخذوا في المساومة والتباطؤ: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} كلمة قوم تطلق على الرجال فقط.. ولذلك يقول القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} [الحجرات: 11].
إذن قوم هم الرجال.. لأنهم يقومون على شئون أسرهم ونسائهم.. ولذلك يقول الشاعر العربي: وما أدري ولست أخال أدري أَقَوْمٌ آل حصنٍ أم نساءُفالقوامة للرجال.. والمرأة حياتها مبنية على الستر في بيتها.. والرجال يقومون لها بما تحتاج إليه من شئون.. والمفروض أن المرأة سكن لزوجها وبيتها وأولادها وهي في هذا لها مهمة أكبر من مهمة الرجال.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} الأمر طلب فعل. وإذا كان الآمر أعلى من المأمور نسميه أمرا.. وإذا كان مساويا له نسميه إلتماسا.. وإذا كان إلى أعلى نسميه رجاء ودعاء.. على أننا لابد أن نلتفت إلى قوله تعالى على لسان زكريا: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: 38].
هل هذا أمر من زكريا؟ طبعا لا. لأنه دعاء والدعاء رجاء من الأدنى إلى الأعلى.
قوله تعالى: {اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} لو أن إنسانا يعقل أدنى عقل ثم يطلب منه أن يذبح بقرة.. أهذه تحتاج إلى إيضاح؟ لو كانوا ذبحوا بقرة لكان كل شيء قد تم دون أي جهد.
فمادام الله قد طلب منهم أن يذبحوا بقرة.. فكل ما عليهم هو التنفيذ.
ولكن أنظر إلى الغباء حتى في السؤال.. إنهم يريدون أن يفعلوا أي شيء لإبطال التكليف.. لقد قالوا لموسى نبيهم إنك تهزأ بنا.. أي أنهم استنكروا أن يكلفهم الله تبارك وتعالى بذبح بقرة على إطلاقها دون تحديد.. فاتهموا موسى أنه يهزأ بهم.. كأنهم يرون أن المسألة صعبة على الله سبحانه وتعالى.. لا يمكن أن تحل بمجرد ذبح بقرة.. وعندما سمع موسى كلامهم ذهل.. فهل هناك نبي يهزأ بتكليف من تكليفات الله تبارك وتعالى.. أينقل نبي الله لهم أمرا من أوامر الله جل جلاله على سبيل الهزل؟
هنا عرف موسى أن هؤلاء اليهود هم جاهلون.. جاهلون بربهم وبرسولهم وجاهلون بآخرتهم.. وأنهم يحاولون أن يأخذوا كل شيء بمقاييسهم وليس بمقاييس الله سبحانه وتعالى.. فاتجه إلى السماء يستعيذ بالله من هؤلاء الجاهلين.. الذين يأتيهم اليسر فيريدونه عسرا. ويأتيهم السهل فيريدونه صعبا.. ويطلبون من الله أن يعنتهم وأن يشدد عليهم وأن يجعل كل شيء في حياتهم صعبا وشاقا. اهـ.